التنمية المستدامة هي "مفهوم شامل يرتبط بديمومة الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية والمؤسسية والبيئية للمجتمع". حيث تُمكّنُ المجتمع وأفراده ومؤسساته من تلبية احتياجاتهم والتعبير عن وجودهم الفعلي مع حفظ التنوع الاحيائي والحفاظ على النظم البيئية والعمل على التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية خاصة الناضبة منها حتى لا يتم الجور على حقوق الأجيال القادمة في العيش بحياة كريمة.
كما يحمل هذا المفهوم ضرورة مواجهة العالم لمخاطر التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي.
نود التأكيد على البعد البيئي ودورة في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تهدف التنمية المستدامة إلى: الاستخدام الرشيد للموارد الناضبة، بمعنى حفظ الأصول الطبيعية بحيث نترك للأجيال القادمة بيئة مناسبة حيث أنّه لا توجد بدائل لتلك الموارد مع مراعاة القدرة المحدودة للبيئة على استيعاب النفايات وضرورة التحديد الدقيق للكمية التي ينبغي استخدامها من كل مورد من الموارد الناضبة، ويعتمد ذلك على تحديد قيمتها الاقتصادية الحقيقية، وتحديد سعر مناسب لها بناءً على تلك القيمة. ويمكن أن يتحقق ذلك بوضع الاعتبارات البيئية عند التخطيط للتنمية الوطنية حتى لا يتم إلحاق الأضرار برأس المال الطبيعي وذلك كحد أدنى.
تندرج أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (الشكل المرفق) التي تقررت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة (ريو+ 20 في 2012) في تحديد خارطة طريق ذات مدى عالمي للفترة ما بين 2015 و2030 حول الأهداف الكبرى التالية: مكافحة الفقر والأمن الغذائي ومكافحة تغير المناخ والحصول على الطاقة والمياه والمساواة.
تزايد الاهتمام الدولي نحو الحاجة إلى التنمية المستدامة للوصول إلى مستقبل مستدام، بعد أن أصبح العالم يواجه عدد من الكوارث البشرية والبيئية فتزايد النمو السكاني والفقر، والاحتباس الحراري، والتصحّر، والتدهور البيئي، وفقدان التنوع البيولوجي، وفقدان الموائل الطبيعية والتي لا تنفصل عن مشكلات الرفاه البشري ولا عن عملية التنمية الاقتصادية بصورة عامة.
لذلك، إن حياة الإنسان ورفاهيته ترتبطان بصحة بيئته، ولا يمكن لأي مجتمع أن يستمرّ من دون الغابات، ومصادر المياه النظيفة، الأراضي الخصبة ورؤوس الأموال البيئية كافة التي توفر الموارد وتمتص المخلفات التي ينتجها الإنسان. وفي هذا الإطار، تقدر منظمة الصحة العالمية أن نوعية البيئة السيئة تسبب 25% من جميع الأمراض التي يمكن الوقاية منها في العالم اليوم. وقد أصبح واضحًا أن الأمراض المتصلة بالبيئة تشكل تهديدًا خطيرًا ومباشرًا لصحة الإنسان. وإن عددًا قليلاً من التدابير والإجراءات ممكن أن تساعد في تحسين صحة الملايين من سكان العالم النامي. وتشمل هذه التدابير زيادة إمكانات الحصول على مياه الشرب المأمونة، وتوسيع نطاق التكنولوجيا الأساسية للتخلص من النفايات، وتحسين نوعية الهواء في المناطق الحضرية. إن واحداً من كل خمسة من البشر لا يستطيع الحصول على مياه الشرب المأمونة، أحد أبسط احتياجات الإنسان، وفي الوقت نفسه، يزداد الضغط الواقع على موارد المياه ازديادًا مطردًا بفعل زيادة الطلب البشري وغيره من الاستخدامات المتنافسة للمياه. ويستلزم حل هذه المشكلة المزدوجة زيادة الاستثمارات المالية، وحلولاً تكنولوجية ابتكارية من القطاعين العام والخاص.
وعلى الرغم من علاقة الإنسان الوثيقة ببيئته، فإنه غالبًا ما يغفل حالة التدهور واستغلال تلك البيئة. ولعل اضمحلال مناطق صيد الأسماك، وفقدان الغطاء النباتي والموائل الطبيعية، واستمرار تراكم النفايات والمخلفات تمثل بعض الأمثلة الواضحة على ذلك. وفي عالم يزداد فيه تعداد السكان بشكل مضطرد، فإن تحدّي القرن الحادي والعشرين سيكون في الإجابة عن السؤال كيف يعيش السكان ضمن نطاق قدرة كوكب الأرض وإمكاناته؟ هناك حاجة إلى أدوات قادرة على متابعة حركة المنتجات والخدمات البيئية في الأنظمة البيئية والاقتصاديات الإنسانية، تمامًا كمتابعة لحركة المال في الأسواق الاقتصادية. إن هذه الأداة المحاسبية هي في الواقع ما يسمى بـ "البصمة البيئية".
رغم شمولية مفهوم التنمية المستدامة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي اتفقت عليها اغلبية دول العالم (كما في الشكل اعلاه)، فأن التأكيد على البعد البيئي يعود الى ان اغلب الانشطة والفعاليات المتضمنة في تلك الاهداف تؤثر بصورة مباشرة او غير مباشرة على النظم البيئية سواء من خلال استخدام الموارد الطبيعية غير المتجددة او مما تحدثه تلك المشروعات من اثار سلبية على البيئة. لذلك فأن مفهوم التنمية المستدامة يعطي اهتماما متساويا ومتوازيا بينها وبين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وبذلك تكون حماية البيئة والاستخدام المتوازن لمواردها الطبيعية جزءا من عملية التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال ان الكفاءة في استخراج واستخدام البترول والغاز الطبيعي في العراق من شأنه ان يخدم الاهداف البيئية ويصب في الوصول الى اهداف التنمية المستدامة عن طريق توفير الموارد المالية لأجل رفاهية المجتمع ورفع مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والذي بدورة سيؤثر إيجابيا على البيئة من خلال حشد الجهود للقضاء على الفقر ومكافحة عدم المساوات ومعالجة مسببات التغير المناخي من خلال تطبيق اهداف الاستدامة البيئية الدولية.
العراق يحتاج وبشكل عاجل الى اعتماد "التنمية المستدامة" استراتيجية اساسية لتحسين رفاهية الفرد العراقي، واستدامة ثروات الوطن المتجددة منها والناضبة. واعتمادها يحتاج اولا الى سياسة واضحة للدولة ترافقها استراتيجية وآلية للتنفيذ بمؤشرات ودلائل وسقوف زمنية واضحة وصريحة مدعومة بقوة القانون لكي تقوم الوزارات والحكومات المحلية بتنفيذ تعهداتها لتطبيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وحسب الجدول الزمني لنصل الى الغايات المعلنة بحلول عام 2030.
إن من أوضح الأمثلة على حاجة العراق الى تطبيق التنمية المستدامة هو ما يواجهنا اليوم من مشكلة خطيرة في شح المياه الصالحة للإنسان والزراعة والصناعة، حيث ان الدولة والمجتمع يستجيب آنيا للمشكلة التي تتكرر على مر السنين ولكن لا توجد استراتيجية واضحة طبقت للتغلب على تلك المشكلة او الحد من أثرها على أقل تقدير. وكان لدينا فرصة لاستيعاب جسامة مشكلة المياه بعد جفاف عام 2009-2010، وكان على الدولة منذ ذلك الحين أن تضع الخطط للاستجابة للتغيرات التي كان من المتوقع ان تتكرر في السنوات التالية. ومع أن القضية معقدة ومتعددة الجوانب إلا ان سوء إدارة الدولة لمواردها إضافة الى سوء إدارة الموارد الطبيعية تفاقم المشكلة والتي بات جليا تماما ان شح المياه يرتبط بشكل واضح بالتنمية المستدامة وارتفاع مستوى الفقر والاثار الصحية المباشرة وغير المباشرة على صحة المجتمع والبيئة. وهذا ما يؤكده برنامج الاستدامة البيئية للأمم المتحدة.