تعتبر مياه البحار والمحيطات مصدراً رئيسياً للغذاء والأملاح المعدنية وهي لا تقل في أهميتها عن مياه الشرب، كونها تشكل جانباً هاماً للحياة الطبيعية بصورة عامة. وتعج مياه البحار والمحيطات بالاحياء المختلفة وهي ذات تنوع كبير وليس من السهل حصرها أو حتى تصنيفها لان لها خصائص كثيرة وأساليب حياتها متنوعة وكذلك تختلف طرق تكاثرها، وتساهم الكائنات البحرية في المحافظة على التوازن البيئي وضمان نقاء البحار وجودة مياهها. بعض الاحياء تفضل العيش بالقرب من السطح وبعضها تعيش في أعماق متوسطة وهناك انواع اخرى تفضل القاع. تقسم الكائنات الحية في البيئة المائية الى ثلاثة اقسام هي:
الاحياء العالقة او الهائمة (Plankton) وتسمى ايضا الطافية (Floaters)
والاحياء السابحة (Nekton) او (Swimmers)
والاحياء القاعية (Benthos) او (Bottom dwellers).
معظم الاحياء المائية تتواجد بالقرب من الشواطئ وتقل كثافتها كلما اتجهنا الى البحار المفتوحة، وتضم كائنات حية نباتية وحيوانية ومكونات غير حية وتوجد بين مكونات البيئة علاقات تعمل على اتزانها، حيث تشمل الكثير من المجهريات بما في ذلك معظم العوالق النباتية والحيوانية.
الهائمات او العوالق (Plankton) وتسمى باليونانية (πλανκτός / planktos) هي مجموعة من الكائنات الحية التي تعيش في المياه العذبة والمويلحة والمالحة، وتعيش في كثير من الأحيان معلقة وغير قادرة على السباحة ضد التيار، وتضم مدى واسع من الاحياء مثل النباتات المجهرية والطحالب ويرقات معظم الاحياء القاعية والقشريات الصغيرة وغيرها. تعتبر العوالق هي أساس العديد من الشبكات الغذائية حيث تتغذى الهائمات الحيوانية (Zooplankton) بصورة رئيسية على الهائمات النباتية (Phytoplankton) المنتج الاول والاساسي للغذاء في البيئة المائية وبذلك فهي تقوم بتحويل المادة العضوية في الهائمات النباتية إلى بروتين ودهون والتي تتغذى عليها مجاميع كبيرة من الأسماك خاصة الأسماك الصغيرة والقشريات التجارية. تساهم العوالق الحيوانية بتحركاتها العموديية في اختلاط الطبقات المائية، وهو مظهر من مظاهر الخلط الطبيعي لم يتم التركيز عليه، كذلك تعتبر الهائمات الحيوانية دلائل لوجود بعض انواع الاسماك وكمؤشرات لحركة الكتل المائية التي تزدهر فيها. في البيئة البحرية تشكل مجموعة مجذافية الاقدام (Copepoda) (شكل 1) نسبة كبيرة تصل الى 70% من مجموع الهائمات الحيوانية. بينما في بيئة المياه العذبة تكون متفرعة اللوامس (Cladocera) (شكل 2) والدولابيات (Rotifera) (شكل 3) هي السائدة.
تقسم الهائمات الحيوانية حسب فترة حياتها كهائمات الى هائمات دائمية (Holoplankton) تعيش كل فترة حياتها هائمة مثل مجذافية الاقدام (Copepoda) ومتفرعة اللوامس (Cladocera) والدولابيات او العجليات (Rotifera) وغيرها، وهائمات وقتية (Meroplankton) يكون احد ادوار حياتها بشكل هائم مثل يرقات السرطان (Zoea) و(Megalopa) ويرقات الرخويات (Veliger larvae) ويرقات شوكية الجلد (Echinoderm larvae) مثل خيار البحر وقنفذ البحر ونجم البحر وغيرها.
تعيش اعداد وانواع كثيرة جدا من الهائمات او العوالق الحيوانية في البحار والمحيطات نذكر احد انواعها المهمة هو قنديل البحر (شكل 4) سمي بهذا الاسم لان بعضها يتوهج ليلاً (شكل 5)، ومن هنا جاء اسم "قنديل البحر، ويدعى كذلك بالأسماك الجلاتينية (Jellyfish) ولكنها ليست بالأسماك. يشكل الماء 95% من جسمها وتظم 200 نوع، تعيش في عمود الماء من السطح الى أعماق هائلة في البحر تصل إلى 3000 متر تقريباً. تعود مجموعة قناديل البحر الى شعبة اللاسعات Cnidaria او امعائية الجوف Coelenterata. كان هناك جدلا طويلا حول الطبيعة الحقيقية لللاسعات كما كان الحال عليه في الاسفنجيات. ثم عرف آرسطو طاليس (Aristotle) الخاصية اللاسعة لها واعتبرها وسطاً بين الحيوانات والنباتات وأطلق عليها اللاسعات Cnidae واعتبرت على أنها نبات وحيوان فعرفت بـ Zoophyta مثل الاسفنجيات. ولم تعرف حقيقتها الحيوانية إلا في القرن الثامن عشر الميلادي على يد العلماء Peyssonel, 1723)) و (Ellis & Trembley, 1774 John). وفي عام 1847 اطلق عليها Leuckart شعبة الجوفمعويات Coelenterata وهي كلمة إغريقية وكانت تضم معها الأسفنجيات والمشطيات. بعض انواع قناديل البحر تكون سامة جدا مثل:
قنديل البحر ذو الشكل الجرسي Bell-shaped Jellyfish (Chiropsalmus quadrigatus) يكون القنديل المربع على شكل جرس يمتلك حزمة كبيره من اللوامس اللاسعة تبلغ من 10 – 60 لامس في كل ركن من أركان المربع والتي يمكن أن يصل طولها إلى 2 متر. له أربع عيون وبدون دماغ، ويحدث اللدغ عادة عندما يثيره الإنسان (شكل 6).
قنديل البحر الصندوقي Box Jellyfish (Chironex fleckeri) ويسمى ايضا دبور البحر وهو من الاحياء الخطرة جدا حيث يحتوي على سموم في مجساته فهي قادرة على قتل الانسان خلال 3 دقائق فقط (شكل 7).
وهو من المخلوقات التي تعيش في المياة الإستوائية الدافئة في المحيطين الهادىء والهندي وهو من اسوأ المخلوقات الغازية للبحار على الاطلاق ويتواجد في البحر المتوسط وبحر إيجة ولكنه أخذ في التزايد بشدة منذ السبعينات حيث بدأت تنتشر في سواحل مصر ولبنان وفلسطين وكذلك في سواحل تونس. يبلغ وزن القنديل البحري الرحال حوالي عشرة كيلوغرام وقطره ما بين 40 إلى 50 سم ومن الممكن أن يصل حتى 90 سم (شكل 8).
تأثير القناديل على العوالق الحيوانية:
تتغذى القناديل البحرية على الهائمات الحيوانية مثل المشطيات (Ctenophora) والانبوبيات (Siphonophorae) ويرقات بطنيات القدم (Veliger Larvae) وثنائيات المصراع (Bivalves) والقشريات (Crustacea) والسهميات (Chaetognatha) بالإضافة إلى بيوض ويرقات الأسماك. فقد قدَّر ان الحاجة اليومية من الغذاء لـ Aurelia بما لا يقل عن 100 ملغ وزن جاف من الغذاء، كما وجد أن الغذاء المطلوب للنوع Aurelia تساوي 4 مرات المخزون الثابت لمجذافيات الأرجل. كما وجد أن فردأ بالغاً من الـ Aurita يستهلك خلال حياته 10غ وزن جاف من العوالق الحيوانية وهذا يعادل مليون فرد من Pseudocalanus elongatus . وبذلك فإن افتراس القناديل لمجذافيات الأرجل، التي تشكل أكثر من 70 % من مجموع العوالق الحيوانية وكتلتها الحيوية في البحار سيؤثر تأثيراً محسوساً على مخزونها الحيوي.
تأثير القناديل على المخزون السمكي
تؤثر القناديل على المخزون والإنتاج السمكي من خلال عدة اتجاهات:
1- تسبب القناديل الكبيرة الحجم ضرراً كبيراً على الصيد البحري حيث يؤدي إلى تمزق الشباك أو سدها، كما يجد الصيادون صعوبة كبيرة في فصل الأسماك عن القناديل.
2- تعتبر القناديل البحرية منافساً هاماً للأسماك على الغذاء فهي كما ذكرنا سابقاً تؤثر على المخزون الحيوي للعوالق الحيوانية التي تعتبر الغذاء الرئيسي للأسماك .
3- تعتبر القناديل البحرية من المفترسين ليرقات الأسماك وهذا الافتراس قد يكون قاسياً في بعض الحالات ويؤدي إلى انخفاض واضح في المخزون السمكي. ففي عام 1982 انتقل أحد أنواع قناديل البحر التي تتواجد في مصبات الأنهار على سواحل المحيط الاطلسي في المنطقة بين الولايات المتحدة والارجنتين، إلى البحر الأسود، مما أدى إلى تزايد أعدادها كثيرا. وسبب انخفاض إنتاج اسماك الأنشوجة (Engraulidae) من 204,000 طن في عام 1984 إلى 200 طن في عام 1993 . وأسماك الرنكة ( Clupea) من 24,600 طن في عام 1984 إلى 12,000 طن في عام 1993.
ان ظاهرة انتشار قناديل البحر على الشواطئ السياحية تكون خطيرة في بعض البلدان ذات الطابع السياحي وتسبب لهم خسائر مادية، ناتجة عن عزوف المصطافين عن ارتياد هذه الشواطىء. فمثلاً بعض شواطئ أسبانيا أصبحت موبوءة بقناديل البحر مما يجعل المصيفين يبتعدون عنها وكذلك بعض شواطئ إيطاليا وشواطئ بلغاريا وأستراليا سبب لهم هذا الحيوان الصغير خسائر تقدر بالملايين.