عالميا, سيكون لتغير المناخ بسبب إحترار البحار و المحيطات، تأثيرات سلبية متصاعدة على مصائد الاسماك وبيئتها و تربية الاحياء البحرية و المائية، كما تؤكد ذلك منظمة الأغذية و الزراعة للأمم المتحدة FAO)) والعديد من المنظمات والمؤسسات الاقليمية والدولية الاخرى والتي تشير الى ان تغير المناخ وكل التبعات التي تنتج عنه، وهي بالإضافة الى ارتفاع الحرارة وارتفاع مستوى مياه البحار وزيادة الملوحه وحموضة المياه في المحيطات والأنظمة البيئية المائية المختلفة، و زيادة حالات الجفاف والفيضانات، جميعها ستترك وباستمرار تأثيراتها العكسية واحيانا المدمره، على مخازين و مصيد الاسماك ومربي الاسماك وبالنتيجة على المجتمعات السكانيه في المناطق الساحليه و خصوصا أولئك الذين ترتبط اقتصادياتهم و حياتهم بالقطاع السمكي. وتساهم مصايد الاسماك و تربيتها وبقية الاحياء المائيه بقسط مهم في الأمن الغذائي للناس، فهي تشكل الغذاء الاساسي لثلاثة مليار انسان و بما لا يقل عن 50% من البروتين الحيواني الجيد النوعيه لما يقرب من 400 مليون انسان في البلدان الاكثر فقراً في العالم، وأن اكثر من 500 مليون انسان فيما يسمى بالبلدان النامية يعتمدون بشكل مباشر او غير مباشر على قطاعي مصائد الاسماك والاستزراع المائي، هؤلاء من المتوقع ان يفقدوا 40% من مجمل صيدهم بحلول منتصف القرن.
و أذا كان القلق العالمي يزداد من جراء تفاقم ظاهرة تغير المناخ، و تزداد مخاطره الوجوديه على الكوكب، وأذا كانت البلدان المتقدمه قد سعت الى التعامل مع الموضوع بجديه بالغه، من خلال الدراسات والتقارير التي انتجتها مؤسساتها العلمية الحكومية وغير الحكومية لتقييم التأثيرات والانعكاسات البيئيه والاقتصاديه والاجتماعية، الحاليه والمستقبليه، على مناطقها الجغرافيه بل على مستوى العالم.
فما هي ابعاد وحجم تأثير تغير المناخ في نطاق البلدان العربيه؟ و هل توجد مؤشرات واستجابات لها في القطاع الزراعي ؟ وعلى نحو خاص في مصائد وتربية الاسماك ؟ كمثال للحالة العامة.
تتمتع البلدان العربيه بسواحل تمتد الى 34000 كم، موزعه على البحر المتوسط، البحر الاحمر، خليج عدن، بحر عمان، الخليج العربي وجنوب غرب المحيط الهندي وتلك المطله على شرق المحيط الاطلنطي.
بناءً على تقريري المنتدى العربي للبيئة والتنمية 2016 (AFED) و ((IPCC، و على سبيل المثال ولعدة اسباب لا مجال لذكرها تعتبر البلدان العربية من بين اكثر المناطق القابلة للتأثر بتغير المناخ، وبشكل خاص تشير الى ان المناطق العربية في شمال افريقيا والشرق الاوسط والخليج العربي ستتعرض لمخاطر حاده وربما هي المناطق الاقسى التي يضربها الاحترار، وبسببه ربما ستندفع الاسماك الى المناطق الاكثر عمقا في المحيط ، وتحدث تغيراً سلبيا في عدة عوامل حياتيه و لا حياتيه ومنها:-
- شكل القيعان البحرية.
- معدلات الرواسب ومصير المغذيات.
- الإنتاجية الأولية للهائمات النباتية في البحار.
- تغيير مناطق تكاثر وهجرة الاسماك.
و تتحدث تقارير البنك الدولي، مثلا ما جاء في 2007 عن تعرض البلدان العربية لحزمة من الظواهر السلبيه المرتبطه باحترار المناخ ،منها النقص المائي في مصادر المياه العذبه، نقص الغذاء و عاملي ارتفاع مستوى سطح البحر وصعود الجبهه المالحه الى المصبات والانهار وزيادة حالات الجفاف والعواصف الترابيه والفيضانات والتطرف في درجات الحرارة.
وبنهاية القرن 21, ستواجه المناطق العربية ارتفاعاً حرارياً من 0.9 الى 4.1 درجه مئوية وسيصاحب ذلك تناقص حاد في تساقط الامطار, زيادة التبخر, الامر الذي يتوقع ان يسبب انخفاضاً في كمية المياه العذبة المتاحة بمقدار النصف بحلول عام 2100م, ومن مظاهرها: سنشهد شتاء اقصر و اكثر جفافاً، و صيفا اعلى حرارة مع زيادة تكرار الموجات الحرارية المتطرفة-وهذا ما نلمسه في مناخ العراق والبصرة خصوصا وللمزيد يمكن مراجعة التقرير التقييمي الخاص لمنظمة (IPCC) لعام 2014.
وعموما فان تغير المناخ سيؤثر سلبا بشكل او بأخر على ما يقارب من 18000 كم من مجموع 34000كم من السواحل العربية.
تقدر احصائيات المنظمة الدولية (UN) سكان البلدان العربية في عام 2015م بحدود 385 مليون نسمة، وان العدد سيزداد الى 604 مليون بحلول 2050م. يقابل ذلك، تحصي تقارير منظمة الفاو الانتاج السمكي لاثنين و عشرين بلداً عربيا في عام 2012م بمقدار 3.9 مليون طن منها 1.1 طن (28.2%) يأتي من عمليات الاستزراع البحري و المائي . فيما تقدر كميات الاستيراد (عام 2011) من الغذاء السمكي بحدود 961000 طن تصل قيمتها الى 2.32 مليار دولار بينما بلغت الصادرات 721000 طن بقيمة 1.69 مليار دولار، مما يعني عجزاً في الموازنه الماليه للمنتج.
ومع ذلك فأن حصة الفرد السنويه كانت 10 كغم وهي اقل من المعدل لعالمي البالغ 19.2 كغم.
وخلاصة هذه المعطيات تظهر ان الوضع الراهن للانتاج السمكي لا يسد حاجة الدول العربية، و مع تأثر مساحات كبيرة من السواحل و البيئات البحرية بالعوامل المعاكسة والتي منها احترار المناخ مع ما يصاحبها من تضاعف عدد السكان فأن منتصف القرن سيشهد تراجعاً بما يقرب الى النصف في المنتج السمكي وحصة الفرد منه, هذا اذا لم تتخذ الاجراءات الممكنة والمستحدثة لمعالجة تلك التأثيرات او تخفيف من تاأثيراتها.
هل تتخذ البلدان العربية اجراءات تحسبية كافية ؟
المراجعة السريعة للأنشطة العربية لحماية الثروة السمكية تظهر بعض المشاركات الاقليمية والدولية الناجحة منها على سبيل المثال: مشاركة تونس وبدعم من البنك الدولي في استدامة البحر المتوسط(2005-2012) وذلك بإيجاد نظام لتخفيف فقدان التنوع الاحيائي، ومنها ايضا التعاون الاقليمي بعنوان: (البحر الاحمر وخليج عدن نظام بيئي بحري كبير) وفيه تتخذ اجراءات تنفيذية لحماية التنوع الاحيائي، وهناك التعاون الاقليمي لإدارة الصيد السمكي وكذلك برنامج ايجاد المناطق البحرية والساحلية المحمية (MPAs).
وتظهر دراسة حديثة عدت في الامارات العربية (فضل الرحمن وآخرين، 2018) تؤكد تراجع مصيد الاسماك خلال العقود الثلاثة الماضية، ويعتقد ان تغير المناخ يشكل عاملا اضافيا لهذا التدهور، اضافة الى الصيد الجائر والتلوث، تدعو للتحسب المستقبلي وتضع خيارات للحفاظ على النتاج السمكي وتؤكد على الادراة السليمة للسواحل والتخطيط الاستراتيجي لاستدامة هذه الثروة، كما وصدرت عدة دراسات بهذا الاتجاه في الكويت ومصر وغيرها من البلدان العربية.
لكن ولأهمية الموضوع واتساعه وقياسا للأجراءات العالمية، فأن حجم تلك الاجراءات تعتبر متواضعة ولابد من توسيعها كما ونوعا وتسريعها لتواكب المتغيرات المتسارعة في البيئة.
وختاما يمكن ان نسلط الضوء على اهم الاجراءات المطلوبة للحد من تأثيرات ظاهرة تغير المناخ ولاستدامة المخزون السمكي في البلدان العربية:
ان التأثيرات السلبية لزيادة احترار المناخ على مخازين ومصيد الاسماك يعد دليلا اضافيا مقنعا للدفع باتجاه اتخاذ مزيد من القرارات والاجراءات التنفيذية لتقليل انبعاث غازات الاحترار على المستوى العالمي وكذلك الدفع باتجاه الطاقة والمنتجات الصناعية الصديقة للبيئة.
زيادة الدعم الحكومي للمؤسسات والمعاهد ذات العلاقة العاملة في البلدان العربية ورفع مستوى العمل الاقليمي والعربي المشترك.
اعارة مزيد من الاهتمام من ادارات الصيد الحكومية لكل من الصيادين ومربي الاسماك والناس العاملين في قطاع الاسماك وخصوصا في المناطق الساحلية.
ادخال مزيد من التكنلوجيا في انظمة مراقبة البيئة والتغيرات المناخية المياه وتحسين الانواع المقاومة.
تطوير البنى التحتية وبناء القدرات لقاعدة اوسع من الناس العاملين في القطاع السمكي والبيئي ذات العلاقة.
التأكيد على مزج الثقافة المحلية مع التكنلوجيا المتطورة في اعداد الخطط الاستراتيجية في مواجهة تغير المناخ و ربطها بالمواضيع ذات العلاقة كالاستخدام الامثل للمياه وادارة السواحل والسياسة السمكية ومواضيع الاقتصاد المرتبطة بها وغيرها والتي يجب ان تصب جميعها في العمل على موائمة القطاع السمكي مع عامل تغير المناخ.