اصبحت الكوارث البيئية هاجساً مرعباً لمعظم دول العالم وحازت على اهتمام العديد من مراكز الابحاث العلمية والمؤسسات البحثية في العالم، وربما ستكون زهرة النيل كارثة حقيقية وتحدي كبير للعراق بسبب الانتشار الهائل والخطير لها في مجاري الانهار الرئيسة والفرعية وقنوات الري في نهري دجلة والفرات وسط وجنوب العراق، حتى بدأت تهدد النظم البيئية والاقتصادية، وقد حذرنا رسول الله (ص) قديما من خضراء الدمن وها هي الخضراء المغرية تجثو على سطح مياه النهرين وتتسلل كأفعى خضراء من سامراء حتى اهوار العراق الجنوبية، نسيج اخضر يغري الناظر بالجمال ويخفي تحت رداءه الوثير سموم العداوة للبيئة والاحياء. وقد ارتبط اسم هذه النبتة(زهرة النيل) بموئلها الاول حوض نهري النيل والامازون حيث وفرة المياه وغنى الطبيعة بأصناف النبات الطبيعي المتنوع والكثيف والمعمر. ان البعدين المكاني والزمني الكبيرين لهذه النبتة يجعلها قادرة على الانتشار والتحدي وصنع اسباب البقاء، حيث يقول الباحثون في تاريخها انها ظهرت في العراق كنبات زينة خلال عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، وسُجل ظهورها لأول مرة على ضفاف قناة الجيش شرق بغداد ومنها انتقلت تدريجيا إلى عمود نهر دجلة، وقد ارتبطت بمناطق سكون التيارات وانفتاح الجزر النهرية بين نهر ديالى جنوب بغداد وسدة الكوت، ومع مرور الزمن وضعف المكافحة انتشرت جنوب سدة الكوت ومن ثم الى جميع الجداول والقنوات المتفرعة من نهر دجلة وتحولت الى نهر الفرات ايضا خصوصا في كربلاء والديوانية ثم انتقلت جنوبا لابعد من ذلك، وهي الان تشكل تحديا كبيرا للاهوار حيث بدأت بوادر الازمة في اهوار الجبايش. وزهرة النيل والاسم العلمي Eichhornia جنس من الفصيلة البونتديرية من رتبة الوعلانيات، تنمو موسميا وتطفو فوق المياه العذبة، وموطنها الأصلي قارة أمريكا الجنوبية ضمن الاقاليم الاستوائية، كما انها من الحشائش السائدة في حوض نهر النيل خاصة (مصر وكينيا وأوغندا وتنزانيا والسودان) وتنتشر أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية وجزيرة جاوة واستراليا [1] ولنبتة زهرة النيل شكل مميز وجذاب حيث تتكون من مجموعة جذرية تحت سطح الماء ومجموعة خضرية تطفو فوق سطح الماء اذ ان لها سيقان قصيرة طافية وجذور طويلة نسبيا ذات لون داكن وأوراق دائرية أو بيضوية الشكل ذات لون اخضر لماع وأزهاره أرجوانية كبيرة، الاجزاء الطافية منتفخة تعمل كطوافات تساعد على الطفو وأوراق مجمعة على شكل وريدات صغيرة ذات أعناق إسفنجية منتفخة تصل إلى (30 ) سم , ويتراوح طول السنبلة الزهرية بين ( 5- 15) سم تتكون من عدة أزهار تصل إلى ( 10 ) أزهار ذات ألوان أرجوانية مزرقة والجزء العلوي فيها ذو بقعة إسفنجية ووسطها اصفر, تكون ثمار زهرة النيل غشائية ذات حجرات منتفخة ومنها تنتشر البذور , يتراوح قطر النبتة ما بين ( 20 – 30) سم أما ارتفاعها فيصل إلى (100 ) سم (1) [2] المهم في الامر ان تسلل هذه النبتة الداعشية على حد تعبير وزير الموارد المائية انكشف بعد ان سيطرت وبنت مستعمرات واسعة من اسلاك برعمية خضراء شكلت بؤرة استنزاف للمياه السطحية. والخطورة تتزايد مع قدرتها الشديدة على استهلاك المياه السطحية في الاهوار، حيث تتعدى قدرتها على استهلاك ما بين 1- 4 لتر يوميا . يكون تكاثر النبتة ونموها خلال أشهر الصيف ذات الحرارة العالية وتتضاعف أعدادها خلال فترة من ( 5- 18) يوم، حيث تكوّن مستعمرات كثيفة وواسعة على سطح الماء ويمكن ان تشغل النبتة الواحدة مساحة تقدر بـ ( 2500) م2 في الموسم الواحد، وهي بذلك تنافس النباتات الأخرى وهذا يشكل خطورة بالغة على الوضع البيئي في المياه، وتنتشر مستعمرات زهرة النيل مع اتجاه جريان الماء وتتزداد كثافةً في المياه الساكنة او الراكدة، والاخطر في الامر ان التكاثر يكون اكثف مع وجود نباتات القصب والبردي على الضفاف، وبذلك يتشكل ما يشبه السرطان الطافي الذي يؤدي إلى تبخر كميات هائلة من المياه، وقد قدرت الدراسات الحديثة فواقد المياه بسبب انتشارها بما يقاربـ ( 3 ) مليارات م3 من المياه سنويا وهو ما يكفي لزراعة مساحة واسعة من الأرض، ويمكن اجمال المخاطر الكبيرة لهذا النبتة بما يلي: [2] 1- حجب وصول ضوء الشمس إلى الأحياء المائية الأخرى وخاصة الهائمات النباتية التي تشكل القاعدة الأساسية للنظام البيئي والغذائي الأساسي للهائمات الحيوانية والأسماك مما يسبب خللاً في التوازن الدقيق للشبكة الغذائية . 2- استهلاك كميات هائلة من المياه إضافة إلى امتصاص كميات كبيرة من الأوكسجين المذاب في الماء مما يغير من طعم المياه ويجعل رائحته كريهة. 3- إعاقة عمليات الارواء من خلال غلق ومنع جريان مياه الري في الجداول وطمر مضخات الري والبزل وهذ يشكل مخاطر جمة على الثروة المائية ومستقبل الزراعة في العراق. 4–إزاحة النباتات المائية المستوطنة الأصلية عن طريق التنافس معها والتغلب عليها. وهنالك مجموعة من طرق المعالجة لهذه النبتة الضارة وهي : 1)كيميائية 2) ميكانيكية 3) البيولوجية 4) اليدوية فبالرغم من المخاطر الجمة لهذه النبتة الا ان طرق المعالجة ممكنة فبالنظر لاحتواء زهرة النيل على نسبة عالية من البروتين الخام يمكن توظيفها في توفير علف حيواني، والاستفادة من الأعشاب المجففة للنبتة في توليد الطاقة خاصة إنتاج البيوغاز عن طريق التخمير اللاهوائي للأعشاب. وفي العراق يمكن استخدام زهرة النيل في تغذية المواشي وفي مقدمتها الجاموس الذي يستهلك كميات كبيرة من الاعلاف، ويشير باحثون الى استخدام الأمريكان عام 1975 للجاموس في القضاء على الكثير من النباتات المائية في الأنهار والمستنقعات وقد نجحت في ولاية فلوريدا للقضاء على زنبق الماء العملاق، واثبتت دراسة تطبيقية استمرت أربع سنوات قدرة الجاموس على السيطرة والقضاء على هذه الزنابق العملاقة الضارة، ويمكن تطبيق ذلك على بيئة الاهوار التي تشتهر بتربية الجاموس والمواشي الاخرى .