البقعة الطُحلبية في شط العرب انذار احمر ينبئ بالأسوأ
تاريخ النشر : 2018-01-23 05:00:02
عدد المشاهدات : 575
الاستاذ الدكتور حسن خليل حسن مركز علوم البحار E mail: h_almahmood@mscbasra.org
هنالك قلة من الناس تُدرك معنى تسمية شط العرب اولئك الذين تمعّنوا في هذا الاسم فادركوا انه اكثر من مجرد تسمية تّميز مجرى مائي عن غيره، شط لأنه (شَطَرَ) الحياة عن الموت لسكان مدينة البصرة التي يصل عدد سكانها الى ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة ، اما كلمة (العرب) فهي ليست زائدة بل هي كلمة ذات مدلول بيئي – مكاني، اذ ان شط العرب يشكل تأثيراً بيئياً ايجابياً في ملوحة مياه الخليج العربي الذي تطل عليه سبعة دول عربية اضافة الى الجارة ايران، ومياه شط العرب مصدر اساسي في اضافة المغذيات الحيوية المهمة كثيرا للحياة البيولوجية وديمومة واستقرارالنظام الايكولوجي في شمال غرب الخليج العربي، علماً ان هذا التأثير يمتد الى السواحل السعودية، كما ان مجرى شط العرب يوفر بيئة مناسبة لمراحل واطوار الحياة السمكية من وضع البيوض والتزاوج لأنواع كثيرة من الاسماك السائدة في الخليج العربي. واستمرت هذه الاهمية البشرية والبيئية لشط العرب حتى بداية القرن الحادي والعشرين، قبل ان تُقطع تغذية مياه نهر الفرات نهائيا عن شط العرب في العام 2009 بعد إنشاء السد الغاطس في منطقة الخنزيري التابعة لناحية المديّنة(13 كم غرب قضاء القرنة). ويقُطعَ نهر الكارون الذي كان يغذي الجزء الجنوبي من شط العرب(النهاية الجنوبية لجزيرة ام الرصاص) ويساهم بأكثر من نصف مياهه في تلك المنطقة، حيث بدأت ايران منذ عام 2002 بإقامة سدود على نهر الكارون مما قلل من تصريف الكارون باتجاه الى شط العرب الى أن تم قطع تغذية الكارون لشط العرب نهائياً في شهر آب من العام 2009 ، بعد تحويل مجرى النهر داخل الأراضي الإيرانية، حيث اصبحت مياهه تجري مباشرةً إلى الخليج العربي عبر قناة بهمن شير(الموازية لشط العرب من جهة الشرق)، وانحصرت فترات تدفق مياه الكارون الى شط العرب في حالات التصريف الزائد (الخارج عن السيطرة)، اذ يضطر الجانب الايراني الى صرف المياه الزائدة عن طاقة النهر في بعض الايام من اشهر الشتاء والربيع حينما تحدث ذروة التساقط في منابع النهر. ان هذه التغييرات انعكست على البيئة المائية النهرية المغذية لمزارع النخيل والبساتين جنوب مدينة البصرة كثيرا بانقطاع نهر الكارون، بعد ان ضَعُف دوره في التخفيف من ملوحة مياه شط العرب بعد زيادة توغل المد البحري من الخليج العربي. واصبح تأثير رافد كرمة علي الذي كان يصرف مياه هور الحمار الى شط العرب سلبياً بعد قطع مياه نهر الفرات عنه من جهة سوق الشيوخ، الامر الذي جعله مسطحاً مائياً تتحرك فيه الكتلة المائية القادمة من شط العرب خلال المد والجزر، بل اصبح مصدر تلويث بسبب كمية مياه المد المحتجزة في بعض الاجزاء المنخفضة من الاهوار المجففة، لتشكل مستنقعات ضحلة تتسرب اليها مياه من المصب العام (النهر الثالث)، ومياه ذنائب قنوات الري وتتسبب في رفع ملوحة مياه شط العرب في بعض الاشهر نتيجة لعمليات الغسل الجارية لترب الاهوار المجففة ذات الملوحة العالية جدا، كما انقطع نهر السويب خلال الفترة (2007-2010). وكان يساهم بمعدل تصريف يزيد عن 200 م3/ثا تأتي من جهة هور الحويزة(الاراضي الايرانية). ان الظروف اعلاه انتجت اوضاع هيدرولوجية صعبة في شط العرب تمثلت بشحة مائية كبيرة سببها التحكم في الاطلاقات المائية بفعل السدود والنواظم على نهر دجلة (وهو مصدر مياه الشط الوحيد) من دون فرق بين التحكم والسيطرة داخل وخارج العراق، كما ان هناك استئثار كبير بكمية المياه المارة في المحافظات التي يمر بها نهر دجلة، فبالرغم من ان الرقم المعلن عن التصريف الذي يُطلق من جهة العمارة(موقع قلعة صالح) هو 50 م3/ثا يتراوح معدل التصريف الشهري (الفعلي) لنهر دجلة قبل دخوله لمحافظة البصرة (القرنة) ما بين 20 م3/ثا -43 م3/ثا (حسب دراسات علمية منشورة) وقد يقل التصريف كثيرا عن ذلك في بعض الاشهر والمواقع، ولهذا فما يصل الى مركز مدينة البصرة (محطات الاسالة الرئيسة) مياه قليلة وملوثة. وقد اكدت احدى الدراسات العلمية ان الحد الادنى لتصريف المياه العذبة اللازمة للحفاظ على البيئة المائية في شط العرب من مدينة البصرة حتى السيبة يتراوح بين 50- 70 م3/ثانية، بحسب قدرة مياه الخليج على التوغل والتأثير في مجرى شط العرب خلال حالة المد والتي تختلف بين طوري المد المحاقي والربيعي ، وتبعاً للحالات التي يفتح فيها مصب نهر كارون باتجاه شط العرب، اما عملية إرجاع نوعية المياه في مجرى شط العرب إلى الحالة التي كان عليها في عقد التسعينات فتتطلب حجم من المياه العذبة بمقدار 200 م3/ثانية تكون كفيلة بأحياء واعادة الحياة على طول 204 كم من الاراضي الزراعية المتمثلة ببساتين النخيل والخضروات تعتمد في استهلاكها المائي على مياه شط العرب. ولهذه الاسباب مجتمعة تتعرض مدينة البصرة حالياً بسكانها وحياتها النباتية والحيوانية الى كارثة بيئية واقتصادية كبيرة كان آخرها تعرض مياه النهر الى ظاهرة خطيرة جدا تمثلت بحدوث حالة من حالات المد الاحمر الذي حصل في شط العرب قرب محطة ماء البراضعية، والغريب ان المد الاحمر Red Tide ظاهرة تحدث عند السواحل البحرية او في البحيرات، ومن الغريب ان تحدث داخل مجرى مائي عذب كما هو الحال في شط العرب، وهو دلالة على ان مياه شط العرب تحولت من مياه نهرية عذبة الى صنف يجمع بين النوع البحري وشبه البحري(المياه المويلحة –المختلطة) وليس هذا جديدا فمياه الشط بين قضاء الفاو وناحية السيبة الجنوبية (555 كم شمال الفاو)هي مياه بحرية لكن الجديد في الامر ان تكون مدينة البصرة ( 110 كم شمال الفاو) منطقة متأثرة بالبحر فهذا اغرب واخطر ويحتاج الى تكثيف الجهود واستنفار حكومي واداري سريع لتلافي هذه المراحل الحرجة لشط العرب والا سيصبح بركة مائية آسنة في جزئيه الشمالي والاوسط ولسان بحري في جزئه الجنوبي. وعند فحص العينات المأخوذة من البقعة الملوثة التي تصل ابعادها الى مئات الامتار المربعة في منطقة البراضعية ( 1 كم) تقريبا جنوب مركز المدينة(العشار) التي ظهر فيها المد الطحلبي(الاحمر) أتضح أنها نوع من الطحالب التي تعود الى مجموعةDinophyceae والى الجنس Gyrodinium وهذا النوع واسع الانتشار التواجد في البيئات الساحلية البحرية ومياه ورواسب المصبات والبيئات المويلحة( المياه العذبة المتأثرة بملوحة المياه البحرية) ولم يسبق تسجيله في البيئة المائية لشط العرب او المناطق المصبية المجاورة، فقط سُجّلَّ مطلع التسعينيات في مياه ورواسب شمال غرب الخليج العربي قرب السواحل الكويتية . وهو من الانواع غير المرغوب فيها وضارة لأغلب الاحياء المائية وخصوصاً الاسماك والقشريات وقد سبب مشاكل عديدة في بعض مناطق العالم. ولم يثبت لحد الان مدى سميته للإنسان، وتجري دراسات حالياً من قبل باحثين في مركز علوم البحار للتأكد من ان هذا النوع سموم أم لا. وقد تبيّن ان اسباب ظهور هذا المد هو ارتفاع درجة الحرارة بالتزامن مع زيادة الملوحة وتوفر المغذيات والضوء المناسب، وتتركز الحلول الانية للحد من تأثيراتها السلبية أيقاف جميع محطات تصفية المياه القريبة من حدوث مثل موقع هذه الظاهرة ومنع السباحة في مثل هذه المناطق بالإضافة إلى على تشتيت بقع(مستعمرات) الطحالب او دفعها بعيداً عن محطات الاسالة ووضع لافتات تنبه المواطنين لتجنب استخدام المياه الملوثة لأي غرض بشري، أما الحلول المستقبلية فمن ابرزها العمل على تقليل تسرب الملوثات العضوية الى مياه شط العرب وتقليل ملوحة مياهه من خلال زيادة الاطلاقات المائية من جهة العمارة لتكون ضمن الحد الادنى 50- 70 م3/ثانية في الجزء الاوسط لشط العرب خصوصا خلال الفترات التي يتوقع فيها تكرار حدوث الظاهرة وإعادة تأهيل البيئة المائية في شط العرب والحفاظ على النظام البيئي خلال الفترات القادمة وأطلاق حملة توعية للحفاظ على مياهه.